ليلة الصيام

 



اليوم يبتدئ بالنهار، وليس بالليل، فإن ليلة الصيام، هي الليلة التي تلي نهار الصيام، وليست تلك التي تسبقه… ولو كانت تلك التي تسبقه، جدلاً، لما استقام قوله، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ…لأن الصيام لم يبدأ بعد، حتى يمكن إتمامه.
ليلة الصيام، هي جزء من يوم الصيام، ونحن مطالبون بأن نصوم الأيام، لا أن نصوم الأنهر… أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ…لم يقل أنهراً معدودات، ولذلك قال، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، وبالتالي، فان الصيام في الليل، ثابت وقائم، بالآيات.
ثم انه، لا يعقل، ان تبدا الاية الحديث عما أحل في الصيام، بعد ان يكون الصيام، قد انقضى، لو كان الصيام، في النهار فقط…كما لا يعقل ان تتحدث عن الليلة التي قبل الصيام، والصيام لم يبدأ بعد، مع أننا اثبتنا بما لا يدع مجالا للشك، ان ليلة الصيام، هي بعد نهاره، وليس قبله…
الآن، تخيل، ان تطلب من احدهم ان يحرس منزلك في النهار فقط، وان يتقيد بشروط الحراسة، كألّا ينام، ولا يغادر مكانه ولا يفقد تركيزه، فهل ستخبره بما يجب ولا يجب عليه فعله في الليل، ؟!، بعد انقضاء الحراسة؟!، ام ستخبره بما يجب ولا يجب عليه فعله في النهار؟! وقت الحراسة ؟!…اكيد الثاني
ولو طلبت منه ان يحرس بيتك اليوم بكامله، نهارا وليلا، فستركز على الفترة الاصعب، وهي الليل، والتي يكون فيها بيتك معرضا اكثر للخطر، فاللصوص ينشطون ليلا عادة، ويكون الحارس معرضا لاغراءات النوم اكثر بسبب السهر، فتسمح له ببعض "التجاوزات"، كأن تقول له، مسموح لك في الليل، ان تسمع الراديو، او تشاهد التلفاز، لكن هل يُتصور منك، ان تسمح له بالإغفاء أو النوم؟! الذي هو ضد الحراسة واليقظة ؟ اكيد لا، وستطلب منه ان يمتنع عن النوم، حتى يطلع النهار، وأن يتم الحراسة الى الليل لتضمن ان الحراسة تمت اليوم بكامله…
فلو كان الصيام بالنهار فقط، لكان من المنطقي ، ان تتحدث الاية عن النهار ، وما يسمح فيه وما يحرم…ولو كان في الليل كل شيء مباح، فلماذا ستفصل الايات فيه، كل هذا التفصيل؟!
لكن من المنطقي، الا تفصل الايات في ما يباح في النهار، اذا كان كل شيء ممنوع، وهو الحاصل، اذ لا تفصل الايات في ما أحل في النهار وما حرّم، فالصيام بالنهار، كامل، وكل شيء فيه ممنوع…لكن لليل وضع خاص، وهو المعاشرة الجنسية المحتملة، والرغبة فيها، التي يفرضها تقاسم الزوجين لفراش واحد…والذي أبانت التجربة، من خلال صيام الايام البيض، ان الصحابة، لم يطيقوا صبرًا على الامتناع عن الجنس ليلة الصيام، بدليل الايات، فاختانوا انفسهم…
لذلك جاء الصيام المحمدي، بخلاف الصيام اليهودي، الذي يمنع فيه الاكل والشرب والجنس اربعا وعشرين ساعة، بترخيص الجنس ليلة الصيام، وحتى لا يُفهم من ترخيص الجنس، ترخيص الأكل والشرب، فقد قالت الآية: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ، وجاءت بالمصدر، لتبين ان الرفث مباح، ليلة الصيام دون ارتباط بوقت معين، اذ من المعلوم، ان المصدر، ليس مقيدا بزمن…
ولو كان الاكل والشرب مباحا طول الليل، لقالت الاية أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الأَكْلُ وَالشُّربُ إِلى الْفَجْرِ والرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ…
لكن الآية، فصلت في إباحة الرفث، وأعطت أسبابه ودوافعه، وهي تجنب اختيان النفس، وكون العملية الجنسية اصعب في التحكم من الأكل والشرب…
بخلاف الحديث عن الاكل والشرب، فقد جاءت الاية أولا، بالافعال، المقيدة بالزمن، فقالت: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، ولم تقل والأكل والشرب، عطفا على الرفث…لأن الأكل والشرب مباح، بقيد، وهو حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر…
ولا اعرف كيف يستقيم في عقل بعضهم، فهم ان الاية تقول كلوا واشربوا طول الليل حتى يحين الفجر، والسؤال، أين الاية التي تتحدث عن بداية الأكل أصلاً؟ حتى تحدد نهايته؟! لا توجد الا في عقول من أعْمتهم الرواية الثراتية…لماذا لا يكون ابتداء الاكل والشرب مع العصر، وليس المغرب، اذا كان الأمر بالهوى ودون قرائن؟! اين ذكر المغرب في كل ايات الصيام؟!
بل ان الاية حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، هي آية وقت الاكل والشرب، ولا توجد اية قبلها تتحدث عن بداية وقت الاكل والشرب، حتى نصرف هذه الى نهايتهما!!…ومن قال بذلك، سألناه القرينة…
ثانيا، كيف يجتمع في عقل من يقول بالرواية الثراتية، ان يبيح لهم ان يأكلوا ويشربوا الليل بطوله، ثم يامرهم بعد ذلك بإتمام الصيام الى الليل؟! عن اي صيام يمكن الحديث؟!، فضلا عن الاتمام؟