مفهوم التقوى من القرآن

 


مفهوم التقوى من القرآن
المفكر العراقي قصي هاشم فاخر:
تقوى الله هي الالتزام و الاحترام لقوانين الله. و من يتقي الله يجعل له مخرجا.
مفهوم التقوى من القرآن، عكس ما جاء في خرافات الاحاديث و العنعنات:
مثال توضيحي:
لنفرض أنَّك لا تُتقن السباحةَ لا في النهر ولا في البحر ولا في حوض السباحةِ حتى، وأردت ذات يوم أن تعبر نهراً لا جسرَ عليه، وليس أمامك الا زورقٌ صغيرٌ متهالكٌ يؤجِّرهُ صاحبُ محلٍّ صغير على الساحل.
ولدى صاحبِ هذا المحلِّ سُتراتُ نجاةٍ ممتازة ء على عكس القارب ء اذا لبستها ضمنتَ أنَّك ستبقى طافياً فوق الماء وأمكنكَ دفعُ نفسك نحو الساحل بأبسط جهد ممكن.
أنت تعلم بأنَّك لا تُتقنُ السباحةَ وليست لديك اللياقة البدنية التي تكفيك لمقاومة الغرق والنهر عميق والخطر مؤكد وليست هناك فرق إنقاذ على الساحل حتى تهبَّ لنجدتك وانقاذك.
هنا ستأتي حالة تقوى الله ء إن كُنتَ ممن تعودوا على (الوقاية خيرٌ من العلاج) فإنَّ هذه الحالة ستدفعك للتفكير في الوقاية والتقوى ء فكيف ستكون (تقوى الله) في هذه الحالة؟ هل ستكون:
1. بقراءة مقاطع مما تحفظ من آيات القرآن مثلاً؟
2. بالدعاء والطلب والإلحاح والبكاء لإسماع الله تعالى صوتك فيلتفت إليه ليعينك في عبور النهر بالزورق المتهالك، ودون استئجار سُترة نجاة أنتَ قادرٌ عليها؟
3. الإعتماد على كون ان بعض من سيركب معك يُحسن السباحة؟
4. الصلاة ركعتين قبل الإنطلاق بالزروق دون سُترة النجاة؟ بإعتبار أنَّ الله تعالى وعد بالدفاع عن الذين آمنوا مثلاً؟
5. قراءة دعاء الاحتجاب؟
6. أم باستئجار الزورق وسترة النجاة معاً؟
الواقع أنَّ الخيارات من 1 الى 5 لا قيمة لها إطلاقاً! من الناحية الواقعيَّة! إذ أنت باتباعها خالفت قوانين الله تعالى ولم تتقه وتتقي سطوة قوانينه!.
إنَّ عملية إستئجار الزورق المتهالك دون سُترة النجاة ودون معرفة كيفية السباحة هو شبه إنتحار وليس من التقوى في شيئ.
وإذا حصل وتمكَّن أحدهم من العبور سالماً مع كلِّ ما في تلك الامور من مجازفات، فلأنَّ الظروف كانت بطبيعتها مهيئة لعدم غرق ذلك الزورق أو انقلابه في الماء لا أكثر وليست هناك أيّة مزيَّة لهذا الإنسان مهما كان كثير الصلوات اليومية أو قراءة القرآن والأدعية. لاحظ هذا المقطع من الآيات:
• فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (*) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (2 – 3 الطلاق65).
فمن (يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ذلك لأنَّه (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) بمعنى أنَّ التقوى هي عمل وهي توظيف لقوانين المشيئة الالهية بطريقةٍ صحيحة والتوكل على الله هي عملية الثقة بهذه القوانين والنجاة لا تتحقق إلا بواسطة هذه القوانين ذلك لأنَّ الله تعالى جعل لكل شيئ قدرا.
فما هي التقوى في المثال أعلاه إذن؟:
التقوى في مثل تلك الحالة هي أن تستأجر الزورق المتهالك لأنَّك لا تجدُ غيره وأنتَ مضطرٌّ، وتستأجر كذلك سُترةَ النجاة! ثُمَّ تختار الوقت الأنسب الذي يكون فيه النهرُ هادئاً والتيارُ ضعيفاً والجوُ رائقاً وليس عاصفاً .. وما إلى ذلك من عوامل تُساعد على إتمام عمليّة العبور دون خسائر، ثُمَّ تتوكل على الله تعالى داعياً إياه أن يدفع الأسوأ مما لا تعرفهُ ولا قُدرة عِندك على توقُّعه أو تفاديه.
وقد قيل: إتقِ الله فيما تعلم يقيك الله شرَّ ما لا تعلم. وهي حكمة بالغة.
(المنهج الترتيلي للقرآن الكريم)